29 - 06 - 2024

تباريح| انتخابات الرئاسة .. المنتصر يركب خيل الهزيمة

تباريح| انتخابات الرئاسة .. المنتصر يركب خيل الهزيمة

لم يكن يراودني شك كبير في إمكانية فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بولاية ثانية مع قليل جهد، مهما علت أسهم من يترشح ضده، فالمصريون يفضلون المعلوم لهم على نقصه أكثر من مجهول ولو ظنوا اكتماله، على نحو ماتعكس أمثالهم الشعبية.

كما أن الظروف الداخلية من استقطاب سياسي لاتزال آثاره موجودة ودافعة لعزوف المعارضين عن التصويت، وتهديدات أمنية متمثلة في الإرهاب الأعمى، والذي يخوض الجيش معركة يظن أنها حاسمة ضده ويصطف وراءها الشعب بمؤيديه ومعارضيه، ومشاريع وطنية تحتاج لاستكمال ، والظروف الإقليمية والدولية المفضلة للثبات والتي تتحسس من أي تغيير يطرأ في مصر، وندرة أن يجري رئيس انتخابات ويخسرها في ظل انحياز حتمي لمؤسسات الدولة وإعلامها وجهازها التنفيذي للقابض الفعلي على السلطة ، كل تلك عوامل كانت تدفع السلطة لإجراء انتخابات نزيهة وبأريحية المطمئن إلى أن شيئا ما لن يتغير.

لكن الخوف – وهو غير مبرر في نظري - ظل القاسم المشترك لكل ما جرى ويجري.

فتشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات تأخر إعلانه دون مبرر موضوعي، وتأخرت الهيئة بالتبعية في إعلان الإجراءات الانتخابية إلى الحد الذي تركت فيه فرصة 13 يوما فقط لمن ينوون ترشيح أنفسهم لجمع 25 الف توكيل شعبي ، بمعدل ألفي توكيل يوميا.

وظهرت بوادر توجس من كل الأسماء التي يمكن أن تطرح نفسها للسباق الرئاسي، وذلك في حملات إعلامية ممنهجة لنهش الخصوم الافتراضيين، حتى دون أن يعلنوا نيتهم الترشح، وطال هذا النهش أشخاصا محسوبين على معسكر السلطة أو بالأحرى من أبنائها وعلى رأسهم أحمد شفيق وسامي عنان وهشام جنينة وعبد المنعم أبو الفتوح، قبل أن يتحول التربص الإعلامي بهم، إلى إجراءات خشنة تقوم بها مؤسسات السلطة ذاتها.

فجأة، اكتشفت السلطة أن إجراءاتها فرغت العملية الانتخابية من مضمونها، فبدأت أجهزة أمنية مساعدة مرشح محتمل – هو خالد علي – على استكمال التوكيلات، على حد ما أكد مسؤولون في حملته، وهو مافطن إليه المرشح فأعلن انسحابه، سعيا لحرمان مرشح السلطة من استيفاء الشكل الانتخابي.

هنا أدركت الأجهزة المعنية أن الانتخابات لم تفرغ من مضمونها فحسب، وإنما لم تعد تستوفي الشكل، فبدأت رحلة البحث عن مرشح يقبل أن يكمله، ووقع الاختيار على السيد البدوي رئيس حزب الوفد، غير أن الهيئة العليا للحزب الذي سبق وأعلنت دعمها للمرشح الرئيس، تخفت وراء ستار هذا الدعم رافضة المشاركة في اللعبة التي كان يمكن أن تهدم آخر أطلال الحزب العريق.

ورغم أن الأجهزة وجدت المرشح الذي كانت تبحث عنه ، إلا أنها لم تستطع إقناع الناس به ، ولا هو كان مقنعا في اللقاءات التي رتبت له على عجل، فلافتات تأييده للرئيس السيسي – وهو أمر سبق ترشحه – لم تثر انتباه المعنيين فيسارعون إلى إزالتها ، كذلك الحال في منطقه المرتبك ، فلم يسعفه ذهنه بالرد على سؤال عن كيفية جمع التوكيلات الشعبية أو الحصول على توقيع 20 من أعضاء مجلس النواب خلال ساعات قلائل، ولم يخرج بخطاب دعائي مقنع حتى للحي الذي يقطنه، ولأنه يدرك ذلك صرح بأنه إذا فاز بالرئاسة سيتنازل عنها للرئيس السيسي (لأن زوجته تحبه!!).

انتهى الخوف من عدم وجود مرشح ثان لا يجعل الرئيس يخوض السباق وحيدا، وظهر خوف آخر من التعامل الإعلامي مع الانتخابات، فجرت عمليات فرز دقيقة للإعلاميين والصحافيين الذين سيصرح لهم بالتغطية، ومنعت صحف ومواقع الكترونية يخشى من أن تصور اللجان فارغة – على حد ما أسر مسؤول في الهيئة – ثم تبعه خوف من عدم توجه الناس لصناديق الاقتراع ، وبدت بوادر هذا الخوف في عرض محافظ مطروح 500 رحلة عمرة كجوائز للمشاركين في العملية الانتخابية ، وهذه سابقة فريدة من نوعها، يمكن أن تتبعها سوابق أخرى تضاف إلى سجل الغرائبيات.

الشكل أصبح أهم من المضمون، والمنتصر – الافتراضي – يترك خيله المطهمة ويركب خيل الهزيمة دون سرج.

فعلى افتراض أن السلطة أجرت انتخابات يضرب بها المثل في الشفافية والنزاهة ، وترك المتنافسون يترشحون ويعقدون مؤتمرات انتخابية وتتاح لهم فرص عادلة للظهور الإعلامي في الصحف والفضائيات والتليفزيون الرسمي وأتيح حق نقد السلطة وعرض البرامج الانتخابية لكافة المرشحين ، في أكثر السيناريوهات تفاؤلا للمعارضين وتشاؤما للمؤيدين كان الرئيس سيفوز بـ 51 % من الأصوات ، ويخرج مرفوع الرأس وقد اكتسب شرعية لايجادل فيها أحد – في الداخل أو الخارج – وكانت الدولة ستتباهى باستحقاق انتخابي يكسبها قوة على قوة.

لكن الخوف وانعدام الثقة يجعل الانتصار الانتخابي بطعم الهزيمة ، ويجعل الرئيس القوي يبدو كمصارع أفرغت له الحلبة من المنافسين، قبل أن يبدأ النزال. والجمهور لايقبل أن يتكبد المشاق لحضور مباراة تقتصر على دخول الحكم ليرفع يد الفائز الخاسر مواجهة الخصوم.






اعلان